اﻷستاذ
عندما نظر الى عينيها شعر بشيء غريب يشده إليها، ترى ما هو هذا الشيء! لماذا يشعر انه يعرفها منذ سنوات؟ لماذا يشعر بهذا الانجذاب الهائل نحوها؟ يشعر بها كمغناطيس عملاق يجذبه وهو قطعة حديد تستقوي بوزنها وصلابتها وسرعة دورنها حول الأرض منذ سنين وها هو الآن ينجذب فيتوقف عن الدوران، يتضاءل وزنه وتتداعى صلابته ويفقد حتى كثافة الحديد المعهودة، يشعر بأنه هش أجوف لا يحمل شيء بداخل عقله وقلبه، ترى هل هي السبب؟ انها تشبهه في التفكير، هل امتصت افكاره من رأسه وراحت تنشدها امامه ام انه فقد بوصلته فلم يعد يعرف اتجاهه وافكاره. هل قالت تلك الكلمات منذ قليل؟ هل رددت افكاره كلمات، كأنها انشودة تعزفها منذ قرون! ترى هل حقا قالتها؟ ام هذا صدى صوته يتردد في الأفق الفسيح وعاد إليّه بعد حين؟ ويكأنه ينظر الى قلبه في المرآة! حقا ما يمكن ان يكون عليه قلب في المرآة لو رأيته؟ لم يعد واثقا من شيء انه يتخبط في افكاره ويتأرجح في مشاعره، يخشاها، تجذبه، لا يصّدقها، تفتنه. ماذا يحدث له، انه يتحرك مع كل جملة لها مع كل بسمة لها مع كل لفته لها خطوة نحوها، لقد كان يقف بعيدا عنها وبينهما كل الحضور والآن، كيف وصل الى جوارها حتى أنه يشعر بدفء أنفاسها على وجهه، أم انه يتخيل! ربما ما هذا الدفء إلا البخار المتصاعد من احشاء قلبه المحترق بوقود نظراتها الواثقة الباسمة الفاتنة. لماذا يبتسم مثل الابله ولا يتكلم؟ هل نسي الكلام ام سرقته الفاتنة من فوق شفاهه فلم يعد يملك ما ينطق به، هل عقدت الدهشة لسانه ام اصابه (كيوبيد) في مقتل؟ لابد ان يتحدث لابد ان ينطق لابد أن يشارك في الحديث بأي شيء، ظل يفكر لكنه لا يستطيع سوى ان ينظر اليها بهذه الابتسامة البلهاء وهو يتابع حركة شفتيها الشهية وعينيها البراقة. سمع اسمه منذ قليل، هل ذكر أحد اسمه في مجرى الحديث، ام وُجِه اليه الكلام؟ لماذا ينظرون اليه بترقب وعلى شفاههم الابتسامات، لابد وانهم ينتظرون منه رد، ولكن على ماذا يا تُرى؟ ماذا قالوا؟ هل سأله أحد سؤال؟ نظر للأرض، شعر بالحرج، وأخيراً توقف عن الابتسام، ابتلع ريقه بصعوبة، رفع بصره الى تلميذه الأقرب وسأله: هل تنتظرون مني ردا؟ جديته البالغة في السؤال اوحت للجميع انه يسخر. طبعا يا استاذ. وبنفس الجدية وما هو السؤال بالضبط؟ ضحك تلميذه وكل الحضور حتى هي ضحكت، ما أجمل ضحكتها. أتحاول ان تتهرب من الإجابة يا أستاذ؟ سمع كلماتها، ضحكتها، وتجنب النظر الى وجهها مجددا لابد ان يستجمع شجاعته ويستمع ليجيب. ما رأيك في (سماء)؟ ما هذا! هل لاحظ أحدهم كيف ينظر اليها؟ هل نظروا داخل قلبه هل سمعوا أفكاره؟ لماذا يسألونه عنها؟ لماذا يسألونه عن رأيه فيها؟ أيقول ما يشعر به أيصدقهم القول؟ هل يفضح أفكاره بلسانه؟ هذا جنون، لا يعرف بماذا يجيب. بوجه يملأه الوقار وعينين تلمعان بالأعجاب نظر إليها: وهل أستطيع ان أبدي رأيّ في انسان من أول لقاء هذا شيء في منتهى الاجحاف. ظهر عليها التوتر، حولت عينيها عنه، ترى هل فطنت الى ما يدور في رأسه هل فهمت لغة العيون، عادت ونظرت في عمق عينيه نفذت من عيونه الى قلبه وكأنها ترى داخله واضحا وعلى شفاهها ابتسامة المنتصر، هل كان بينهما مباراة ام معركة... وانتصرت؟ اه يا ويلي رددها في نفسه، ارتعدت اوصاله استأذن وغادر. يشعر بالاختناق، بحرارة، انه يحترق من داخله، يملأه الدخان لا يستطيع ان يتنفس لابد ان يحل رباط العنق ويأخذ نفسا عميقا أكثر وأكثر يزفر بعمق أكثر وأكثر لابد ان يخرج دخان قلبه خارج رئتيه. ترى لما كل هذا لماذا يشعر بالانهزام لا بالغيظ لا بالغضب لا بل يشعر بكل ذلك، انه يخشى ان يفكر في أمره، يخشى ان يصل الى الحقيقة، يخاف من نفسه، فليتوقف عند هذا الحد، وليتذكر الآن، أنه الأستاذ.
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا على اهتمامكم، يسعدنا أن نستمع الى أرئكم.
لكم حرية التعليق والنقد، ولكن ﻻ تنسى متابعة المدونة .