مملكة القصص والسرديات زمن اللباقة المفقود التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زمن اللباقة المفقود

زمن اللباقة المفقود

زمن اللباقة المفقود
لفتت نظري عندما سمعت صوتها وشدت انتباهي عندما سمعت حديثها انها تتحدث كما لو كانت من عصر اخر كأنها قادمة من زمن اللباقة المفقود، صوتها ورقتها ولطف كلماتها جذبني ﻷن اتفرس فيها واتابعها، كنت اقف امام كشك صغير في ميدان رمسيس اشتري جريدة وقد ركنت سيارتي بحوار الرصيف على وضع اﻻنتظار لكي اقفز واعود في ثواني ولكنها اوقفت عجلة الزمن وحسابات الحياة
فوقفت احمل جريدتي في يدي ونظرة الدهشة في عيني، لما هذه الدهشة؟
اخبركم ما قالته لتعلموا لما، سألت البائع ان يعطيها زجاجة ماء،... ،ﻻشيء في ذلك، ولكنها قالت: من فضلك زجاجة ماء
_بكم؟
_تفضل
_لو سمحت اريد ان اذهب الي المهندسين في اي اتجاة اقف
_اشكرك، معنى ذلك ان اذهب الي الجانب اﻻخر من الميدان
_معذرة،هل هناك نفق لعبور المشاة؟
أﻻ يدعو هذا الحديث الي الدهشة؟ هل سمعتم احد في بلدنا العزيز او لنحصرها في قاهرتنا الغالية يقول (من فضلك، لو سمحت، اشكرك، تفضل)و اﻻعجب انها كانت تشفع حديثها بابتسامة عذبة نقية، تخيلوا ذلك!!! 
انا لم اسمع احد يتحدث هكذا منذ الطفولة، انا عن نفسي لم اعد استخدم تلك الكلمات وﻻ ابتسم إﻻ فيما ندر، عندما سمعتها قلت ﻻبد انها من كوكب اخر، وعندما سألت عن النفق قلت انها من اﻻسكندرية معتادة على انفاق المشاة على الكورنيش، وكان ذلك مدخلي للحديث وفرصتي العظيمة عندما ظن البائع انها تبحث عن مدخل مترو اﻻنفاق وكانت تحاول توضيح سؤالها تدخلت واخبرتها بأن ﻻ انفاق للمشاة بل نعبر الطريق وسط السيارات بكل بساطة، نظرت إلي بتعجب ومرت بنظرها على الميدان وصولا للنقطة حيث يجب ان تذهب وحركت رأسها مستنكرة وتنهدت ثم عادت بنظرها لتشكرني،
بكل صدق شعرت برغبة في اﻻعتذار لها، لماذا؟ ﻻ اعرف، كما لو أني مسؤول عن سوء اﻻوضاع او مقصر فلم امهد لها سبل الراحة، عرضت عليها ان اوصلها للجانب اﻻخر بسيارتي ، توترت ، فاسرعت بأني ﻻ ارغب في مضايقتها على اﻻطﻻق، ابتسمت قائلة انها ﻻ تريد ان تزعجني وانها ستتدبر امرها، اخبرتها انها في طريقي، اصريت عليها واخرجت بطاقتي الشخصية لأسلمها لها قائلا ابقيها معك حتى نصل الى الجانب اﻻخر، ضحكت ، فوقع قلبي في قدمي
هذا ما شعرت به.
فتحت لها باب السيارة وامسكته لها واغلقته بعد ركوبها كأن عدوى اللباقة والتهذيب اصابتني
 امتلأ قلبي بالحديث لكن لساني لم ينطق، بعد برهة استطعت سؤالها عن العنوان الذي تقصده ثم كذبت باني سأمر من امامه مباشرة لكي يطول بقائها معي اكثر، اعترضت، ولكني عدت ﻻضع بطاقتي امامها، لم تلمسها كالمرة السابقة ونظرت بعيون باسمة كأنها تخبرني ﻻ خطر من ناحيتك ليس هناك ما اخشاه، بالطبع ماذا بإمكاني ان افعل وانا في منتصف زحام الظهيرة القاتل لو مشي احدا مسرعا لسبق سيارتي، ابتسمت لها موافقا على ما لم تنطق به، عدت الى الصمت المقيت وضربات قلبي تتسارع حتى اقترب مكان نزولها بدافع الاحساس بالخطر انطلق لساني، هل يمكن ان اقابلك مرة اخرى؟ ﻻ تسيء الظن بي؟ هل يمكن ان اقابل اهلك؟ انا اشعر بأني احبك؟
ﻻ اعرف كيف صدرت عني تلك الكلمات لكني صدقا شعرتها بكل كياني، نظرت في عيني متشككة غاضبة ثم مندهشة ثم ابتسمت، اوقفت السيارة،
فتحت الباب ونزلت ثم انحنت وهي تغلق الباب وأرتني يدها بها خاتم  هتفت :مخطوبة
فحركت يدها في الهواء قائلة :دقق النظر
انقبض قلبي وسقط رأسي على صدري خائب الرجاء وبصوت خافت: متزوجة خسارة لقد تأخرت كثيرا.
لم تزد على ابتسامتها غير كلمة: اشكرك.
ورحلت، بينما ظلت عدوى التهذيب تسيطر على عقلي وطباعي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مملكة القصص والحكايات ( الجزء الثاني)

  مملكة القصص ( الجزء الثاني)   قد تتساءلون أعزائي القراّء  الآن  عما حدث لليرا بعد رحيل إيمون. يبقى مصير ليرا محاطًا بالغموض، تمامًا مثل الممرات المخفية داخل **مملكة الحكايات**. بعد مغادرة إيمون، واصلت دورها كحارسة للمكتبة، تعتني بالكتب القديمة وترشد الأرواح الضائعة التي تتعثر عند عتبة المكتبة. يقول البعض إن ليرا لم تكن مجرد أمينة مكتبة؛ بل كانت تجسيدًا للحكايات نفسها. عندما كان يكتمل القمر، كانت تختفي في الصفحات، وتصبح جزءًا من السرد الذي تعشقه. ربما كانت ترقص مع **بيتر بان** في نيفرلاند، تهمس بالأسرار إلى **شيرلوك هولمز**، أو تبحر جنبًا إلى جنب مع **سندباد البحار** عبر البحار غير المستكشفة. يدعي آخرون أن ليرا كانت رحّالة، تسعى دائمًا وراء حكايات جديدة لتضيفها إلى مجموعة المكتبة. كانت تسافر عبر العوالم الخيالية والمألوفة، تجمع شظايا الأساطير المنسية و تنسجها في نسيج الوجود. كانت عيناها تحملان حكمة العصور، وضحكتها تتردد في الممرات، ملهمةً الكُتاب والحالمين على حد سواء. لكن هناك شائعات —بيت مخفي في أغنية قديمة—يتحدث عن الفصل الأخير. يحكي عن أن يوم ما ستغلق ليرا **كتا...

مملكة القصص والحكايات ( الجزء الاول)

  مملكة القصص مملكة القصص والحكايات  ( الجزء الأول) كان ياما كان في سابق العصر والأوان، في مملكة القصص الغامضة، حيث تلاشت الحدود بين الواقع والخيال، كانت هناك مكتبة لا مثيل لها، لم تكن هذه المكتبة مجرد مستودع للكتب؛ لقد كانت كيانًا حيًا يتنفس، عبارة عن سلسلة من الحكايات والأحلام والذكريات المنسية. كانت المكتبة تقع في قلب المملكة، وأبراجها الشاهقة تصل نحو السماء. وزيّنت جدرانها بالجداريات التي تصور مشاهد من الملاحم القديمة، والأسرار الهامسة، وضحكات الأطفال السارحة في صفحات قصصهم المفضلة. كان الهواء في الداخل مثقلًا برائحة الورق والحبر والوعد بالمغامرة. في هذا الملاذ السحري، لم يكن أمين المكتبة إنسانًا عاديًا، كانت اسمها ليرا، وكانت تمتلك القدرة على الدخول في الروايات ذاتها التي ألّفتها، كلما فتحت كتابًا، دخلت عالمه، وصارت جزءًا من نسيجه، يمكنها التحدث مع التنانين، والرقص مع الجنيات، والمبارزة مع القراصنة المتعجرفين - كل ذلك داخل حدود المكتبة. في أحد الأيام، عثر مسافر مرهق يُدعى إيمون على مملكة القصص. اتسعت عيناه وهو يدخل القاعة الكبرى، حيث امتدت الرفوف إلى ما لا نهاية في كل ا...

مملكة القصص والحكايات الجزء السادس

  حكاية اللحن الضائع أسطورة اللحن الضائع من مملكة الحكايات هي حكاية تتجاوز الزمان والمكان، منسوجة في نسيج العديد من السرديات. يُقال إن اللحن الضائع ليس وجهة بل رحلة، مهمة لا يمكن القيام بها إلا من قبل أكثر الباحثين تفانيًا. حاول الكثيرون العثور على اللحن الضائع، مسترشدين بجاذبية لحنه السماوي ووعده بتحقيق رغبات القلب. قاموا بتمشيط النصوص القديمة، وفك رموز خرائط النجوم، واستمعوا إلى همسات الكون. ومع ذلك، بقي اللحن عصيًا، تردد نغماته دائمًا خارج متناول اليد. ولكن هناك قصة، قصة داخل قصة، تتحدث عن شخص وجد اللحن الضائع. كان اسمها إلارا، مغنية بصوت يمكنه تهدئة أعنف العواصف. تجولت في العوالم، وهي تحمل قيثارتها في يدها، تغني أغانٍ يمكن أن تجعل النجوم تبكي. سمعت إلارا أسطورة اللحن الضائع وشعرت به يجذب روحها، كأن اللحن يتردد بداخل روحها هي. شرعت في مُهمة تتبع الأثر الذي تركته ورقة أوريون. جابت الأراضي المنسية وتحدثت مع أصداء الماضي. في إحدى الليالي، تحت القمر، وجدت إلارا نفسها في لحظة تجلي، حيث كان الحجاب بين العوالم رقيقًا. عزفت على قيثارتها، واهتزت الأوتار بصوت كان جديدًا وقديمًا في آن واحد...